لقد أجمع العلماء على تحريم الترحم على أموات الكفار، سواء كانوا من اليهود والنصارى، أو غيرهم. لقوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم). [سورة التوبة: ١١٣]
ومناسبة نزول هذه الآية هو أنه لمّا مرض عم الرسول أبو طالب. وكان من أكبر الداعمين للإسلام و وقف في وجه محاولات إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم و النيل منه. فدخل عليه النبي وكان بيته ممتلئ برجال قريش من المشركين، فقال: “خلوا بيني وبين عمي”. فرفض الكفار ذلك خوفًا من إسلامه قبل موته. والرسول فعلًا أراد أن يدعوه للإسلام ولكن ينتظر جو هادئ بعيدًا عنهم لألا يؤثرون فيه. فقال أبو جهل وابن أبي أمية: ” يا أبا طالب! أترغبُ عن ملة عبد المطلب؟ أنت رأس الحنيفية ملةُ الأشياخ” بمعنى لا تضعف يا أبا طالب وتبتعد عن ملة أبيك، فأنت أول أتباع إبراهيم. فجلس النبي بجانب عمه إلى السرير، وقال: ( جُزيت عني خيرًا، كفلتني صغيرًا، وحُطَتَني كبيرًا. يا عمي. أعني على نفسك بكلمة واحدة أشفع لك بها عند الله يوم القيامة” فقال: ما هي يا ابن أخي؟ فقال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له”. قال أبو طالب: والله لولا أن تعيرني العرب فيُقال جزع عمك من الموت لأقررت بها عينك. فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “لا أزال أستغفر لك ربي حتى يردني”. واستغفر له الله بعد موته.
فقال المسلمون حينها: لماذا لا نستغفر لآبائنا و أقاربنا من المشركين إذن؟ وقد استغفر إبراهيم -عليه السلام- لأبيه أيضًا في قوله تعالى: “و اغفر لأبي إنه كان من الضالين” [سورة الشعراء: ٨٦]. فنزلت هذا الآية لتخبرنا بعدم جواز ذلك حتى لو كانوا من الأقارب. “وما كان للنبي والذين آمنوا” أي: لا يحق للنبي والذين آمنوا…
والآن قد يتساءل البعض منا لماذا يدخل الكفار النار مع أن أخلاقهم تكون أفضل من أخلاق المسلمين أحيانًا. لكن في الحقيقة أن هؤلاء المشركين قد أحسنوا إلينا وتعاملوا معنا بإنسانية ولكنهم أساؤوا إلى رب العالمين بالكفر أو الشرك به. والله يجازيهم على أعمالهم الصالحة في الدنيا ولكن خسروها في الآخرة، حيث قال تعالى: ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين) [سورة المائدة: ٥]