يشتكي الكثير من الناس بقوله دعوت الله فلم يستجب الدعاء، ولعل هذا من جهلنا ببعض الأمور التي تتعلق بالدعاء. فالدعاء عبادة، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “إن الدعاء هو العبادة”. فقد اعتدنا أن نرى أنه طلب الحاجة من الله فقط، لكن في الحقيقة إنه قناة تواصل بيننا وبين الله -عز وجل-. فالمسلم يدعو الله في كل الأوقات في أيام العسر و اليسر. وبالرغم من ذلك سأعرض لكم أسباب عدم استجابة الدعاء ثم بعض النصائح التي من خلالها سيستجاب الدعاء إن شاء الله.
علينا في البداية أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى حتمًا سيستجيب وسأبين لكم أن الله يستجيب من خلال ثلاث طرق:
أ. أن المسلم يدعو فيستجيب الله طلبه كما تمنى تمامًا: وقد يكون هذا الشخص أخذ بجميع الأسباب أو تفضلًا من الله عليه.
ب. أن يبعد الله سبحانه بلاءً عن العبد بدلًا منه: إن لم يستجب الله الدعاء فقد يكون صعد الدعاء ليوقف بلاءً، والله مثلًا يريد أن يبتلي شخص ما بلاءً صغيرًا ليختبر مدى صبره مثل حادث سيارة أو كسر بأحد الأطراف، فيصعد الدعاء أثناء نزول الابتلاء فيمسكان بعضهما بعضًا إلى يوم القيامة فلا ينزل البلاء ولا يًستجاب الدعاء، وقال النبي في ذلك: “لا يغني حذر من قدر، والدعاء يدفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة” -متفق عليه.
ج. أن الله لن يستجيب للداعي ويدّخر أجره في الآخرة: ولكن تبقى للداعي دعوة محفوظة مستجابة عند الله ليوم القيامة، ولعل هذا أفضل الطرق لاستجابة الدعاء. وذلك بأن الله يؤجره على الصبر.
أسباب عدم استجابة الدعاء:
1. الذنوب والمعاصي التي قد تحول بينك وبين إجابة الدعاء: لعلك تمتلك أحد أسباب المنع وهو الرزق الحرام.قال رسول الله: ” الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟” – رواه مسلم. ويجب الإشارة هنابأن الله تعالى يستجيب للمسافر وكذلك هذه الهيئة: الأشعث هو صاحب الشعر المتفرق و الأغبرالوجه والشعر. ولكن الكسب الحرام هو الذي حرمه الاستجابة.
2. سوء الظن بالله والاستعجال في إجابة الطلب: يقول الرسول (ﷺ) في ذلك: يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل، فيقول: دعوت دعوت فلم أره يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدعُ الدعاء”. فقد يكون الله كاد أن يستجيب لك ولكن إعراضك عنه منع الاستجابة. والله يقول: ” ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولًا”
3. أنه تعالى يعلم أن في هذا الشيء شر لك لن تتحمله: فالله هو العليم الخبير اللطيف بعباده؛ فهو يعلم متى يمنح ومتى يمنع. ويقول تعالى: (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزّل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير ) {الشورى: 27} أي أن الله يرزقهم بقدر مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك، فيغني من يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر.
4. قد تكون إجابة الدعاء مؤجلة لوقت محدد يحدده الله: فيؤجلها الله لأنه يراه الخير في ذلك، أو قد تكون هناك بعض النوب والمعاصي أخرت الإجابة أو عدم إلحالك في الدعاء لله.
نصائح لاستجابة الله للدعاء:
الآن وبعد معرفتنا بأسباب عدم الاستجابة، إليكم بعض النصائح لكيفية الدعاء الصحيحة، ولعل الله تعالى يستجيب بعد ذلك. وكما يقول الكثير من العلماء أن الدعاء فن يجب إتقانه، وهذه بعض النصائح:
1. تحرّي أوقات الاستجابة: وأوقات الإجابة هي الثلث الأخير من الليل، و آخر ساعة من نهار الجمعة، ودبر (بعد) كل صلاة مفروضة، وبين الأذان والإقامة
2. استخدام آداب الدعاء مع الله -عز وجل-: وتكون باتباع الخطوات الآتية:
أ. الشعور بالافتقار إلى الله والحاجة إليه، كما أن هذا الشعور يدل على قرب الله من عباده، حيث يقول سبحانه تعالى: ” وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانٍ”
ب. استقبال القبلة، وإذا كان الإنسان على طهارة فهو أكمل.
ج. رفع اليدين، أو الإشارة بالسبابة؛ فعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه – قال: مرّ َ عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأُصبعي فقال : “أحدٌ أحدُ” وأشار بالسبابة.
د. تكرار الأدعية و الإلحاح فيها: ولعل هذا أمر طبيعي لكل واحد منا، حيث يجد نفسه يكرر الدعاء بشكل تلقائي.ولكن أيضًا يجب تكراره في أوقات الإجابة المختلفة.
هـ. يفضل قبل البدء بالدعاء شكر الله والثناء عليه وتحميده، كقول: (لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين)، و (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير)، و (الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا و سبحان الله بكرةً وأصيلًا) ولما سمع الرسول رجل يقول هذه الكلمات قال: “والذي نفسي بيده إني لأنظر إليها تصعد حتى فُتحت لها أبواب السماء” – متفق عليه.
و. الصلاة على النبي قبل الدعاء: من المستحسن أن يصلي المسلم على النبي قبل الدعاء، فقال الرسول: ” إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتحميد الله، و الثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء” – رواه أبو داود.
3. حسن الظن بالله وعدم استعجال الإجابة حتى أن الأنبياء كانوا يدعون ولا ينتظرون الإجابة.
4. مراجعة النفس ومحاسبتها: فالاهتمام بطاعة الله والابتعاد عن الذنوب و المعاصي قدر الإمكان التي قد تحول بينك وبين الإجابة من أسباب استجابة الدعاء.
5. الأخذ بالأسباب: ولعلّ هذا السبب هو الأهم لفعل الرسول (ﷺ) كما أن الله العادل لن يعطيك ما لا تستحقه كونك دعوته فقط. فهذا يسمى تواكل والله يأمرنا بالتوكل أي طلب العون منه بعد القيام بالمطلوب. ومن الجدير بالذكر أن هذا الدعاء يسمى “دعاء المضطر” والمقصود به دعاء المسلم الذي أخذ بالأسباب وينتظر النتيجة، فيقول عز وجل: ” أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ” بمعنى مَن غير الله يجيب دعاء الذي أخذ بالأسباب ؟ فهنا حتمًا سيأتي التدخل الإلهي.
وقد تفشل الأسباب مع الدعاء وبدونه وهنا يجب الرضا بقضاء الله وعطائه. وقد يستجيب الله الدعاء بالأسباب وبدونها؛ فبالنهاية لن يصيبك إلا ما كتبه الله لك. وربما تحدث أحدنا نفسه ويتساءل لماذا أدعو ما دام أن الله قدّر لي كل شيء؟ ونقول بأن الله يحب أن يرانا متذللين له طالبين العون منه.
6. سلوك طريق المحبة لله: وقد يكون هذا أعظم سبب لاستجابة الدعاء، حيث قال صلى الله عليه وسلم: ” رٌبّ أشعث أغبر مدفوعٌ بالأبواب لو أقسم على الله لأبرّه”. – رواه الترمذي. فالالتزام بمنهج الله يُشعر المسلم بمعية الله له في كل أمور حياته.
إن الله حييٌ كريم يستحي أن يمد عبده يده له ويردهم صفر خائبتين، فاعلم أخي المسلم أن استجابة الدعاء أمر أكيد بنسبة 100%، ولكن قد تختلف الإجابة أحيانًا عما تمنيته غير أن وقت إجابة الدعاء محدد سواء في الحياة الدنيا عاجلًا أم آجلًا أو في الآخرة. و عليك أن تحسن الظن بالله وكن على يقين أن كل ما كتبه الله لك خير. يقول الدكتور محمد راتب النابلسي: ” لو كُشٍف الغطاء، لاخترت الواقع” واجعل من دعائك حلقة وصل بينك وبين الله وليس لمجرد شعورك بالحاجة لشيء معين.