تعدد الزوجات من القضايا التي يُثار حولها الكثير من الجدل، خاصة في العصر الحديث، بسبب ما يرتبط بها من مفاهيم خاطئة أو ممارسات مشوهة لا تعبّر عن حقيقة التشريع الإسلامي. والإسلام، حين أباح التعدد، لم يفتحه على مصراعيه دون ضوابط، بل جعله مشروطًا بعدد من الشروط الدقيقة التي تحفظ حقوق المرأة، وتضمن العدل، وتمنع الظلم.
الحكم الشرعي لتعدد الزوجات
أباح الإسلام للرجل الزواج بأكثر من امرأة، بحد أقصى أربع زوجات في وقتٍ واحد، لقوله تعالى: “فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً” (النساء: 3) فهو إباحة مشروطة، لا أمر وجوب ولا سنة مؤكدة، وإنما هو رخصة لمن استوفى شروطها وكان قادرًا عليها.
الحكمة من التعدد
أباح الله التعدد لحكم متعددة، منها:
1. حل مشكلات اجتماعية مثل زيادة عدد النساء في بعض المجتمعات مقارنة بالرجال.
2. رعاية الأرامل والمطلقات وإعطاؤهن فرصة لحياة كريمة.
3. الستر والعفاف لمن تزوج امرأة مريضة أو لا تنجب ويريد ذرية.
4. الربط بين العائلات والقبائل لتقوية الأواصر الاجتماعية. لكن كل هذه الحكم لا تُبيح التعدد لأي أحد، بل لا بد من شروط.
شروط تعدد الزوجات في الإسلام
1. العدل بين الزوجات في النفقة والمبيت والكسوة والمعاملة، وليس في الحب القلبي، لقوله تعالى: “فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً” (النساء: 3) والعدل ليس خيارًا، بل شرط أساسي، ومن لا يعدل فهو آثم وظالم.
2. القدرة المالية: فلا يجوز لرجل لا يستطيع الإنفاق على زوجة واحدة أن يتزوج الثانية.
3. القدرة النفسية والجسدية: يجب أن يكون قادرًا على تحمّل المسؤولية العاطفية والجسدية والنفسية مع أكثر من امرأة.
4. النية الصالحة: أن يكون هدفه من التعدد شرعيًا كالإعفاف، أو رعاية امرأة مظلومة، لا للهو أو التفاخر أو الأهواء الشخصية.
هل كل رجل صالح للتعدد؟
الجواب: لا. ليس كل رجل صالح أو متدين مؤهل للتعدد. التعدد ليس مجرد حق يُؤخذ، بل مسؤولية عظيمة، تتطلب نضجًا نفسيًا، ووعيًا اجتماعيًا، وقدرة على إدارة بيتين أو أكثر بعدل واتزان.
• من لا يعدل في بيته الأول، لن يعدل في الثاني.
• من لا يستطيع ضبط مشاعره وأفعاله تجاه امرأة واحدة، سيفشل مع اثنتين أو أكثر.
• من لا يتحمّل الإنفاق، لا يجوز له التعدد حتى لو كان من أهل العبادة.
المفاهيم الخاطئة
في زماننا، أساء البعض فهم التعدد، فصار يُمارس بطريقة لا تمت للدين بصلة:
• بعض الرجال يتزوج ثانية بدافع الانتقام من الأولى.
• وآخرون يفعلون ذلك للهو والتجربة.
• وغيرهم يعجز عن العدل ثم يتفاخر بزواجه الثاني أو الثالث. وهذا كله مخالف لروح الإسلام، وقد يؤدي إلى تفكك الأسرة، وتشويه صورة الإسلام.
التعدد في الإسلام ليس تشريعًا عبثيًا، بل هو حل حكيم لمشكلات واقعية، ومُقيّد بشروط صارمة، لو يعلمها الذي ينوي التعدد لتراجع عن قراره. وليس كل من أراد التعدد مؤهلاً له، بل لا يليق إلا بمن كان عادلًا، ناضجًا، قادرًا على الإنفاق والإدارة، ويتقي الله في أهله. كما أن المعدد الظالم يبعث يوم القيامة يُجر على قدميه وكتفه مائل.